فصل: أ- الكتاب الأول: ملف إسرائيل: دراسة للصهيونية السياسية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قراءة في فكر علماء الإستراتيجية (نسخة منقحة)



.أ- الكتاب الأول: ملف إسرائيل: دراسة للصهيونية السياسية:

في هذا الكتاب: يقدم جارودي الدليل على أن الغزوة الاستعمارية للعالم الإسلامي تنطلق من عقيدة اليهود.
وأن هذه الغزوة تهدف إلى إقامة دولة يهودية تمتد من النيل إلى الفرات، وتعتبر سيناء جزءا من هذه الدولة.
- وأن هذه الغزوة تعتبر إبادة وتشريد شعوب المنطقة العربية عقيدة توراتية.
- تحت عنوان (إسرائيل التوراتية) كتب جارودي.
سبق لابن جوريون عام 1937 أن رسم حدود إسرائيل استناداً إلى نصوص توراتية، وفى رأيه أن تضم أرض إسرائيل خمس مناطق هي: جنوب لبنان- حتى الليطاني- يسمى هذا الجزء: شمال إسرائيل الغربي، وجنوب سوريا عبر الأردن- وهو ما يطلق عليه اليوم شرق الأردن، وفلسطين وسوريا، وتمر الحدود الشمالية بخط عرض مدينة حمص بسوريا- التي قال عنها: إنها مدينة حماة- التي ورد ذكرها في (سفر العدد 34/8. 2. 1) على أنها الحد الشمالى لكنعان. وهناك صهيونيون آخرون من غلاة التوراتيين يقولون: إن حماة التي وردت في التوراة هي مدينة حلب، بل هناك آخرون يدعون أنها في تركيا!
وفى عام 1956 صرح بن جوريون في الكنيست بأن سيناء جزء من مملكة داود وسليمان بل إن حدود الوعد اتسعت: من النهر الكبير الفرات إلى نهر مصر (سفر العدد 34/5. 4) ولكن إلى أي فرع من فروع النيل؟
يقول بعضهم: إنه وادي العريش، ويقول آخرون: إنه النيل ذاته.
وذكر جارودي: أن حاخامات اليهود ذهبوا إلى حد اعتبار المذابح مشروعة دينيا من أجل متطلبات القضية، فتدمير مدينتي صور وصيدا، ودك بيروت بالقنابل ومجازر صبرا وشاتيلا لم تكن فقط امتداداً لمذابح دير ياسين التي ارتكبتها عصابات بيجن عام 1948 المعروفة باسم إرجون ومذابح قبية وكفر قاسم والمذابح التي قام قتلة الوحدة 101 بقيادة شارون، كلها كانت باسم الرسالة التوراتية لإسرائيل. وحكومة إسرائيل الحالية تكرر نفس العمل المقدس الذي قامت يه إسرائيل القديمة، من إبادة للكنعانيين، وهى تتصرف اليوم مع العرب كما فعل الأسلاف بالأمس مع الكنعانيين، ومع من سبقهم ممن احتلوا هذه الأرض: إن مدن هذه الشعوب المورثة إليك من مولاك الرب، هي الوحيدة التي لن تدع مخلوقاً حياً يعيش فيها بل ستجعلها محظورة على الحيثيين والعموريين والفريزيين، كما أمرك الرب مولاك أو كما جاء في الآية إذن، اضرب أماله، واحظر عليه كل ما يملك، لا تترك له شيئاً، اقتل الكل، الرجال والنساء والأطفال والرضع، والأبقار والخراف والجمال والحمير.
هذا التبرير التوراتي للقتل، وهذا الإضفاء للشرعية على العدوانات المتتالية، وضم أرض الغير من جانب الدولة الصهيونية الحالية- على أنها الوريث الشرعي والامتداد الطبيعي لإسرائيل التوراتية- يجعل اليهود يرضون ويقبلون ما لا يمكن قبوله عقلا، ويجعل كثيرا من المسيحيين يعتقدون بصحة بعض الأقوال الكاثوليكية، وبصحة أقوال مدارس الأحد البروتستانتية، وهم يسيرون من غير وعى منهم على سنن الأسطورة الصهيونية- التي ثبت منذ قرن- وبخاصة في السنين الأخيرة- عدم صحتها وفندها تفنيداً.
وفى موضع أخر من كتاب ملف إسرائيل كتب جارودي تحت عنوان: أسطورة الحقائق التاريخية ما يلي:
1- أسطورة الصحراء:
تحت هذا العنوان كتب جارودي:
صرحت جولدا مائير لجريدة صاندي تايمز اللندنية في 15 يونيو 1968- قائلة: لا وجود للفلسطينيين، وليست المسألة وجود شعب في فلسطين يعتبر نفسه الشعب الفلسطيني، وليست المسألة أننا أتينا وطردناهم وأخذنا بلادهم. لا، إنهم لم يوجدوا أصلاً. وسيراً على هذا المنطق فإنه يتعين طرد أو استئصال أولئك الذين يقاومون إسرائيل، كما فعل المهاجرون في أمريكا مع الهنود الحمر.
وعندما وجه أنشتاين سؤالا إلى وايزامان (وكان هذا الأخير من قادة المنظمة الصهيونية العالمية) قائلا له: وما مصير العرب إذا ما أعطيت فلسطين لليهود؟ رد عليه بقوله: لا من هم أولئك العرب؟ إنهم لا شيء تقريباً.
وقد ذكر الأستاذ الجامعي بنزيون دينور أول وزير للتعليم في وزارة دافيد بن غوريون مؤسس دولة إسرائيل، ومن أقرب الناس إليه في المقدمة التي كتبها عن تاريخ الهاغانات والذي نشرته المنظمة العالمية، ما يلي: ليس في بلادنا مكان إلا لليهود وسنقول للعرب: ارحلوا، فإن لم يرضوا بذلك وعمدوا إلى المقاومة فسنُرحلهم بالقوة.
وكتب جوزيف فايتز مدير إدارة الاستيطان بالوكالة اليهودية غداة يونيو عام 1967 قائلا: من الواضح- فيما بيننا أنه لا مكان في هذه البلاد لشعبين، والحل الوحيد هو إسرائيل اليهودية، التي تضم على الأقل إسرائيل الغربية (غربي نهر الأردن) بلا عرب، ولا مخرج إلا بنقل العرب إلى مكان آخر في البلدان المجاورة.
تلك أقوالهم، ولكن الحقيقة تختلف عن ذلك كل الاختلاف، فبعد تصريح وعد بلفور 1917 وبعد 20 عاما من الدعاية الصهيونية السياسية للعودة إلى فلسطين، وبعد مجيء الموجات الأولى من المهاجرين الذين فروا من المذابح في روسيا وبولندا ورومانيا، كان في فلسطين كما هو ثابت من التعداد الذي قام به الإنجليز في 31 ديسمبر 1922 878000 نسمة، منهم (590000 عرب مسلمون، 73000 عرب مسيحيون) 83000 يهودي أي أنه كان في فلسطين 88% من العرب، 11% من اليهود- وينبغي أن نتذكر أن تلك البلاد، والتي زعموا أنها كانت صحراء قبل مجيئهم، كانت تُصدّر الحبوب والموالح- الحمضيات- بكميات كبيرة.
2- الأسطورة العنصرية:
تحت هذا العنوان ذكر جارودي حقائق على جانب كبير من الأهمية منها:
في عام 1949 وبعد هذه الحروب الأولى بين الإسرائيليين والعرب، أصبح الإسرائيليون يسيطرون على 80% من أرض البلاد بعد أن طردوا 770000 فلسطيني.
وقد عينت الأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت وسيطا، وكتب برنادوت في تقريره ما يلي: إنه لانتهاك لأبسط القواعد أن يحال بين هؤلاء الضحايا الأبرياء- ضحايا النزاع- من العودة إلى بيوتهم، بينما يتقاطر المهاجرون اليهود على فلسطين، هذا بالإضافة إلى أنهم يشكلون تهديداً دائما، بأن يحلوا محل اللاجئين العرب الذين عاشوا فوق هذه الأرض منذ قرون. ووصف النهب الصهيوني على أنه كان على أكبر نطاق، وبالمثال تدمير القرى دون أية ضرورة عسكرية (تقرير للأمم المتحدة حرف A رقم 648 ص 114)، وأرسل هذا التقرير يوم 16 سبتمبر 1948، وفي 17 سبتمبر 1948، اغتيل الكونت برنادوت ومعاونه الفرنسي في القدس المحتلة. وإزاء ما أثاره هذا الحادث من سخط عالمي، قبضت الحكومة الإسرائيلية على رئيس جماعة شترن ناتان فريدمان يللن، وحكم عليه بالسجن 5 سنوات ثم صدر العفو عنه، وقد أصبح عضوا بالكنيست في عام 1950. وقد أعلن أحد زعماء شترن أنه يشرفه أن يعترف بأنه هو الذي أصدر قرار اغتيال برنادوت.
لقد استطاع الزعماء الصهيونيون- بدولة إسرائيل- أن يضربوا عرض الحائط بما تفعله الأمم المتحدة التي كانت شريكتهم في اغتصاب فلسطين. وكانت الأمم المتحدة في عام 1948 تحت سيطرة الدول الغربية، وقد بلغ بها الأمر أن انتهكت ميثاقها عندما رفضت أن تعترف للعرب بحق تقرير مصيرهم، مع أنهم كانوا يشكلون ثلثى عدد سكان فلسطين.

.ب- الكتاب الثاني: الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية:

تحت عنوان: (أسطورة الوعد) كتب جارودي:
أرض موعودة، أم أرض مغتصبة؟ مشيراً إلى الأسطورة التي تقول: لنسلك، أعط هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات، ويعلق جارودي على ذلك بقوله: إن هذه الأسطورة لا تعدو أن تكون ذريعة للاستعمار الدموي ويقدم مشاهد عملية للقراءات الصهيونية المتطرفة لهذه النصوص التوراتية، مستعرضاً جانباً من أعمال القرصنة الصهيونية ضد المواطنين العرب ومنها: قيام الإرهابي جولد شتاين بقتل المصلين العرب في الحرم الإبراهيمي عام 1994م.
- اغتيال إيجال عامير لإسحاق رابين 1995 بأمر من الرب، وبأمر من جماعته الإرهابية المتطرفة التي تنادى بإعدام كل من يفرط في الأرض الموعودة ليهودا وسامرا- الضفة الغربية- ويسلمها للعرب.
- قول الإرهابي موشى ديان: إذا كنا نملك التوراة ونعتبر نفسنا شعبها، فمن الواجب علينا امتلاك جميع الأراضي التوراتية.
ويدفع، جارودي ببطلان كل هذه الأكاذيب والافتراءات الصهيونية، مستعيناً بعدد من الشهادات التاريخية الموثقة لعدد من أهم خبراء العالم بعضهم من اليهود أنفسهم، أمثال الحاخام المربرجر الرئيس السابق لرابطة من أجل اليهود في الولايات المتحدة الذي أكد في محاضرة له بعنوان: النبوءة والصهيونية ودولة إسرائيل ألقيت في جامعة ليدن بهولندا في 20 مارس 1968: إنه من غير المقبول من أي إنسان الادعاء بأن إنشاء دولة إسرائيل- حاليا- هو تحقيق لنبوءة توراتية، ومن ثم الادعاء بأن كل الأفعال التي قام بها الإسرائيليون لقيام دولتهم والإبقاء عليها هو تنفيذ لإرادة الرب. إن السياسة الحالية لإسرائيل قد حطمت أو على الأقل قد طمست المعنى الروحاني لإسرائيل، وأقترح أن نبحث في إرث النبوات عن عنصرين أساسيين هما:
أ- إن الأنبياء حينما تحدثوا عن استعادة صهيون، فهذا لا يعني الأرض، بل يعنى استعادة العلاقة بالرب في وقت كانت فيه هذه العلاقة قد قُطعت من جانب الملك وشعبه، وقد قال ميشا ذلك بكل وضوح: استمعوا إذن يا رؤساء بيت يعقوب، وقادة بيت إسرائيل، يا من تكرهون الخير وتحبون الشر.. يا من تبنون صهيون وسط حمامات من الدم والقدس بجرائمكم... إن صهيون سيحرث كالحقل، وستصبح القدس- أورشاليم- كومة من الأطلال، وسيصبح جبل المعبد مكاناً لعبادة الأصنام.
ب- وليست الأرض وحدها هي التي تتوقف عليها مراعاة العلاقة مع الرب والإخلاص لها، فإن الشعب الذي أعيد توطينه في صهيون، يخضع لنفس مقتضيات العدالة والاستقامة والإخلاص التي للعلاقة مع الرب.
وتوضح تقاليد النبوات بجلاء، أن قداسة الأرض لا تتوقف على تربتها، ولا على شعبها، ولا على الوجود الوحيد لهذا الشعب على هذه الأرض.. فهذه هي محض غوغائية التربة والدم، فلا الشعب بمقدس، ولا الأرض بمقدسة، وهما ليسا جديرين بأي امتيازات روحية في العالم، ويعقب جارودي على هذه النبوءة بقوله: لقد كان مقتل إسحاق رابين ضحية أسطورة أرض الميعاد مثل مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهذه الأسطورة ليست إلا ذريعة للاستعمار الدموي، ولم يكن إيجال عامير قاتل إسحاق رابين- بعربيد أو بمجنون، ولكنه النتاج الخالص للتربية الصهيونية، فهو ابن حاخام، وطالب ممتاز في الجامعة الإكليركية بأرعيلان بالقرب من تل أبيب، وتشبّع بتعاليم المدارس التلمودية، وجندي من جنود الصفوة في الجولان، ويحتفظ في مكتبته بسيرة باروخ جولدشتين الذي اغتال منذ عدة شهور في الخليل 27 من العرب وهم يصلون بالمسجد الإبراهيمي- وهو لا شك شاهد في التليفزيون الرسمي الإسرائيلي، العرض الكبير الخاص بجامعة إيال محاربو إسرائيل- وهم يحلفون على قبر مؤسس الصهيونية السياسية تيودور هرتزل بأن يعدموا أي شخص يفرط للعرب في أرض الميعاد في يهودا وسامرا- الضفة الغربية حالياً.
ويندرج اغتيال الرئيس رابين والاغتيالات التي اقترفها جولدشتين- ضمن المنطق الضيق لميتولوجية المتطرفين الصهيونيين، وكما يقول عامير: إن الأمر بالقتل جاءه من الرب- كما تصوروا أنه كان يحدث في عهد- يوشع- وهو لم يكن هامش المجتمع الإسرائيلي، فإن المستوطنين في قرية اربا وحبرون- الجليل- كانوا يرقصون فرحا يوم اغتيال رابين حول الضريح المقام على شرف باروخ جولدشتين. لقد كان إسحاق رابين هدفاً رمزياً، وليس كما ادعى بيل كلينتون عند تشييع جنازته، من أنه قد حارب طوال حياته من أجل السلام، وهو الذي قاد جيوش الاحتلال في بداية الانتفاضة، وأعطى الأوامر بكسر عظام أيدي أطفال الأراضي الفلسطينية، الذين لم يكن يملكون شيئاً أخر سوى الأحجار للدفاع عن أرض أجدادهم.
وإسحاق رابين قد فهم- بكثير من الواقعية- كما حدث للأمريكيين في فيتنام، والفرنسيين في الجزائر، أن أي حل عسكري نهائي غير ممكن إذا ما اصطدم الجيش بشعب بأكمله، ومن ثم فإنه سار مع ياسر عرفات على طريق الحل الوسط، وقد هتف هؤلاء المتطرفون ضد رابين ووصفوه بالخائن.
كما يستدل جارودي بقول البير دى بورى أستاذ العهد القديم في كلية اللاهوت البروتستانتية في جنيف، والذي جاءت رسالته للدكتوراه حول الوعد الإلهي والخرافة الشعائرية في أدبيات يعقوب التي ناقش فيها كبار المؤرخين المفسرين المحدثين، ويقول بأن القصاصين التوارتيين يعرضون علينا تاريخ أصول إسرائيل من ذكريات التواريخ والخرافات والحكايات والأشعار التي وصلتهم، والتي نقلها لنا التراث الشفهي على أنها تاريخ إسرائيل، في حين يتفق معظم المفسرين المحدثين على أن هذه الصورة التاريخية ما هي إلا صورة وهمية إلى حد كبير.
كما يورد البيردى بوري ما كتبته فرانسواز سميت عميدة كلية اللاهوت البروتستانتية في باريس كتابها الأساطير غير الشرعية، دراسة حول الأرض الموعودة ط 1994 جنيف، حيث صورت أسطورة الوعد على أنها قصة خرافية لأن علم التاريخ التوراتي لا يخبرنا بما يقصه علينا بل يخبرنا عمن كتبوه.
لقد قدمت السيدة فرانسواز سميت توضيحاً صارماً لأسطورة الوعد، ويستطرد البيردي بوري قائلاً: إن معظم المفسرين قد أخذوا الوعد المعطى للآباء بمعناه الكلاسيكي على أنه إضفاء للشرعية على الغزو الإسرائيلي الأخير لفلسطين، وعلى أنه امتداد للسيادة الإسرائيلية القديمة التي قامت في عهد داود.
ونستطيع الآن أن نحصر بإيجاز أصول الوعد المعطى للآباء على أن الوعد بالأرض كان بمعنى الوعد بالاستقرار، وقد وجه أولاً إلى البدو الرحل الذين كانوا يطمعون في الاستقرار في مكان ما بالمناطق الصالحة للسكن، ولم يكن الغرض من هذا الوعد للبدو الرحل الغزو السياسي أو العسكري، بل الاستقرار، وبالتالي فبعد أن تجمعت القبائل الرحل بمختلف أنواعها، وكونت شعب إسرائيل، تكون الوعود القديمة قد تحققت.
وبعد مناقشة مطولة للوعد يصل جارودي إلى أنه لا يمكن استخدامه كصك من صكوك الملكية، أو وضعه في خدمة المطالبات السياسية، وليس هناك أي سياسة لها حق ادعاء كفالة الوعد وضمانه، ولا نتفق بأي شكل من الأشكال مع أي من المسيحيين الذين يعتبرون وعود العهد القديم بمثابة إضفاء للشرعية على المطالبة بالأراضي الحالية لدولة إسرائيل.
وفى مقدمة كتاب (الأساطير المؤسسية الإسرائيلية) يفضح جارودي حقيقة الصهيونية، ويعرفها بما عرفت به نفسها، فقد وضح:
1- أنها عقيدة سياسية نشأت منذ عام 1896 حيث ارتبطت بالحركة السياسية التي أسسها تيودور هرتزل.
2- أنها عقيدة قومية لم تولد من اليهودية، بل من القومية الأوروبية في القرن 19، ولم ينتسب مؤسسها هرتزل إلى دين، حيث يقول: (إنني لا أنقاد لأي دافع ديني، فأنا غنوصي أي من اللاإدريّة وهو لا تهمه الأرض المقدسة، حيث يقبل بأوغندا أو طرابلس أو قبرص أو الأرجنتين أو موزمبيق أو الكونغو. ولكن أمام معارضة أصدقائه- من أصحاب الديانة اليهورية- فإنه يعى أهمية الأسطورة القديمة: لأنها تؤلف صيحة للم الشعث ذات قوة لا تقهر، وهو ما صرح به عندما حول أسطورة العودة القديمة إلى حقيقة تاريخية في قوله: إن فلسطين هي وطننا التاريخي الذي لا ينسى... وإن هذا الاسم وحده سيظل صيحة لم الشمل القوية لشعبنا.
3- أن الصهيونية عقيدة استعمارية، وهنا أيضا لا يُخفى تيودور هرتزل أهدافه حيث توجه هرتزل نحو التاجر الاستعماري سيسيل ردوس الذي استطاع أن يحول شركته إلى دولة جنوب أفريقيا، حيث كانت إحدى مقاطعاتها تسمى باسمه روديسيا وقد كتب هرتزل إليه يقول: قد تتساءل: لماذا أكتب إليك يا سيد ردوس؟ ذلك أن برنامجي هو برنامج استعماري، فالصهيونية عقيدة سياسية وقومية استعمارية.
تلك هي الخصائص الثلاث التي تشرح السياسة الصهيونية التي انتصرت في مؤتمر بازل في أغسطس 1897، والتي انتصر بها تيودور هرتزل مؤسسها الميكيافيللي، واستطاع أن يقول في نهاية هذا المؤتمر: لقد أسست الدولة اليهودية. وبالفعل وبعد مضى نصف قرن، كانت هذه هي السياسة التي سيطبقها بالضبط تلامذته بإنشاء دولة إسرائيل طبقا لأساليبه وتبعا لخطه السياسي- وذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
ولكن هذه العملية السياسية والقومية والاستعمارية، لم تكن بأي حال من الأحوال امتداداً للديانة اليهودية، بدليل أنه في نفس وقت انعقاد مؤتمر بازل انعقد مؤتمر مونتريال في أمريكا 1897، ليعارض قرارات مؤتمر بازل، وهنا نجد تعارضا جذريا بين قرائتين للتوراة، وهما القراءة السياسية والقبلية الصهيونية، والقراءة الروحانية للديانة اليهودية، ومما جاء في قرارات مونتريال المعارض لهرتزل ما يلي:
إننا نشجب تماما أي مبادرة تهدف إلى إنشاء دولة يهودية، وإن أي محاولات من هذا القبيل تكشف عن مفهوم خاطئ لرسالة إسرائيل، ونؤكد أن هدف اليهودية ليس هدف سياسي ولا قومي، ولكن روحي، فهو يشير إلى عصر مسيحي، حيث يعترف كل الناس بأنهم ينتمون إلى طائفة واحدة كبرى لإنشاء مملكة الرب على الأرض.
وهذه المعارضة للصهيونية السياسية المستوحاة- من التمسك بروحانية الديانة اليهودية، ما فتئت تعبر عن نفسها- حتى في أعقاب الحرب العالمية الثانية- حيث لم تفلح الصهيونية في تكميم أفواه كبار اليهود الروحانيين مثل (مارتين بوبر) أحد الأصوات اليهودية الكبرى في هذا القرن، الذي لم يتوقف طوال حياته، وحتى وفاته في إسرائيل عن شجب انحلال الصهيونية الدينية وارتكاسها إلى صهيونية سياسية.
فقد أعلن مارتن بوبر في نيويورك: أن الشعور الذي اعتراني منذ 60 عاما، عندما انضممت إلى الحركة الصهيونية، هو في جوهره نفس الشعور الذي يعتريني اليوم، لقد كان أملى ألا تتبع هذه القومية طريق موسوليني وعند مجيئي إلى فلسطين سألت نفسي: أتود أن تحضر إلى هنا كصديق وكأخ وكعضو في مجتمع شعوب الشرق، أو كممثل للاستعمار والإمبريالية؟.
لقد كان التناقض بين الهدف ووسائل بلوغه سببا في انقسام الصهاينة، فالبعض أراد أن يحظى بامتيازات سياسية خاصة من القوى العظمى، والبعض الآخر ولا سيما الشباب، فإنهم أرادوا فقط السماح لهم بالعمل في فلسطين مع جيرانهم من أجل فلسطين ومن أجل المستقبل. ولكن كل شيء لم يكن يسير على ما يرام في علاقتنا مع العرب، ومع ذلك، فقد كانت هناك عموما الجيرة الحسنة بين قرية يهودية وأخرى عربية، وهذه المرحلة العضوية من الاستيطان في فلسطين دامت حتى عصر هتلر، وهتلر هو الذي دفع بجموع اليهود إلى الذهاب إلى فلسطين، وما استلزم ذلك من إيجاد قوة سياسية لسلامتها وأمنها، وقد فضلت غالبية اليهود أن يتعلموا من هتلر بدلا من أن يتعلموا منا، وهذه هي الحالة التي كان علينا أن نحاربها.. وفي إيهود اقترحنا ألا يكتفي اليهود والعرب بالتعايش، ولكن أن يتعاونوا وذلك بمقدوره إحداث تنمية اقتصادية في الشرق الأوسط، وفي بيان مارتن بوبر الذي ألقاه أمام المؤتمر الصهيوني الثاني عشر المعقود في كارلسباد قال: وهذا تبرير جميل لأنانيتنا الجماعية التي تحولت إلى صنم معبود، لقد اقتلعت الديانة اليهودية من جذورها بولادة القومية اليهودية في منتصف القرن التاسع عشر.
وقد اعتبر الأستاذ جوادس ماجنيس، رئيس الجامعة العبرية في القدس منذ 1926.
أن برنامج بلتيمور لعام 1942، الذي قضى بإنشاء دولة يهودية في فلسطين سيؤدي إلى حرب ضد العرب، وعند إلقائه لبيانه عند افتتاح هذه الجامعة العبرية في عام 1946 والتي رأسها منذ 20 سنة قال: إن الصوت اليهودي الجديد يتكلم عبر فوهات البنادق، وهذه هي التوراة الجديدة لأرض إسرائيل، لقد تكبل العالم بقيود جنون القوة المادية، وليحفظنا الرب الآن من اقتياد اليهودية وشعب إسرائيل إلى هذا الجنون. ويتحمل جميع يهود أمريكا مسؤولية هذه الغلطة وهذا التحول، حتى من لم يوافقوا على تصرفات الإدارة الملحدة، ولكنهم ظلوا قاعدين مكتوفي الأيدي، إن تخدير المعنى الأخلاقي يؤدى إلى الضمور والهزال.
وقد سبق لإلبرت إينشتاين أن أدان في عام 1938 التوجه هذا حيث قال: في رأيي أنه من المعقول أكثر التوصل إلى اتفاق مع العرب على أساس حياة مشتركة ومسالمة بدلاً من انتماء دولة يهودية وإن الإحساس الذاتي بالطبيعة الجوهرية لليهودية يصطدم بفكرة دولة يهودية لها حدودها وجيشها ومشروعها للسلطة الدنيوية مهما كانت متواضعة وأخشى من الخسائر الداخلية التي قد تتكبدها اليهودية بسبب قيام قومية ضيقة في صفوفنا.
وإننا لم نعد يهود عصر المكابي، ومجرد أن نصبح أمة بالمعنى السياسي للكلمة يساوى أننا سنحيد عن روحانية طائفتنا التي ندين بها لأنبيائنا.
وفى عام 1960، وأثناء محاكمة إيخمان في القدس، أعلن المجلس الأمريكي لليهودية: وجه المجلس الأمريكي لليهودية أمس الاثنين خطاباً إلى السيد كريستين هرتر ينكر فيه حق الحكومة الإسرائيلية في التحدث باسم اليهود كافة، ويعلن المجلس أن اليهودية هي مسألة دين، وليست مسألة جنسية.
وفى 8 يونيو 1982، كتب الأستاذ بنيامين كوهين من جامعة تل أبيب وأثناء غزو الإسرائيليين الدامي للبنان، إلى الأستاذ بيرفيدال ناكية.
اكتب إليك وأنا أستمع إلى راديو الترانزستور الذي أعلن أننا في سبيل تحقيق هدفنا في لبنان، وهو ضمان السلام لأهالي الجليل، وهذه الأكاذيب الجديرة بشخص كـ جلوبز، تجعلني كالمجنون، ومن الواضح أن هذه الحرب الشرسة والضارية، وهى أكثر بربرية من كل سابقاتها، ولا علاقة لها بأي شيء لا بحادث الاغتيال الذي وقع في لندن، ولا بأمن الجليل، ولا اليهود... وهؤلاء اليهود الذين هم ضحايا أنفسهم من جراء هذا الكم الضخم من الضراوة والوحشية، هل يمكن أن يصبحوا على هذا القدر من الفظاظة والقساوة؟ إن أكبر نجاح للصهيونية هو عدول اليهود عن اليهودية... وأرجوكم أيها الأصدقاء أن تقوموا بكل ما في وسعكم لكي لا يحرز أتباع بيجن وشارون هدفهم، وهو التصفية النهائية وهى العبارة السائدة في أيامنا هذه: للفلسطينيين كشعب والإسرائيليين كبشر.
الأستاذ ليبوفيتس يدمغ السياسة الإسرائيلية في لبنان، ويصفها بأنها يهودية-نازية.
وهذا هو رهان المعركة بين الديانة اليهودية التوراتية، وبين القومية الصهيونية التي تفوق أي قومية، على رفض الآخر وتقديس الذات. فكل قومية تقوم على تقديس ادعاءاتها، فبعد تفكك المسيحية ادعت كل دولة أنها قد تلقت الإرث المقدس، وأنها حازت على الولاية من الرب، ففرنسا هي البنت البكر للكنيسة، والتي بها تتم أفعال الرب، وألمانيا هي فوق الجميع، لأن الله معها. وأعلنت إيفا بيرون، أن رسالة الأرجنتين هي تقديم الله إلى العالم، وفي عام 1972 أخذ رئيس وزراء جنوب أفريقيا فورستر المشهور بعنصريته الوحشية يهذو بعبارات مثل لا تنسوا شعب الله، بعثنا برسالة. وتشاطر القومية الصهيونية هذه النشوة مع كل القوميات، ومعروف أن الاستبداد بالرأي يلغى الحوار ويحول دونه، فلا يمكن التحاور مع هتلر ولا مع بيجن، لأن سموّهم الجنسي أو تحالفهم القصري مع الإله، لا يترك أي مجال للآخر.